«درب الجماميز».. شاهد على نشأة أول مكتبة ومدرسة فنية

560

 

كتب/أسامة السعودى

 

«درب الجماميز»الحي الأثري الذى تخطى  عمره 350 عامًا  .. طغت عليه الورش والمحلات والمباني الحديثة وقطنة السكان فى غفلة من الزمن وغفلة من الأثار رغم طرازة المعمارى الفريد والشيق ورغم حاجتة الى الترميم الأثرى إلا أنة يغرق فى القمامة ويشتكى الأهمال .

 

ربما لا يدرك كثيرٌ من قاطني البنايات العالية المحيطة بـ«درب الجماميز» بمنطقة السيدة زينب بقاهرة المعز؛ أن هذا الحي الأثري كان مخصصا للأمراء الذين تركوا مساجدهم وقصورهم بطرازها المعماري الفريد يحكي للناظرين تاريخ طويل مليء بالتفاصيل المثيرة، لاسيما وأنه احتضن أول مدرسة للفنون الجميلة والتي تخرج منها كبار الفنانين وأبرزهم الفنان محمود مختار؛ واحتضن أول مكتبة في تاريخ مصر وهي «الكتبخانة»؛ إلا أنه طغت عليه الآن الورش والأفران والمحلات والمباني الحديثة ليختلط القديم بالحديث في مشهد يشوه التراث الحضاري؛ والذي كان ينبغي أن يظل مزارا أثريا للأجيال القادمة يتنسمون منه جمال الماضي وأصالته.

ونتيجة الإهمال الذي طال الآثار بالحي العريق؛ تجدها مغلقة وتتراكم أمامها أكوام القمامة وتسري بها الرطوبة والمياه الجوفية فتشقق جدرانها؛ بل وسيطر عليها بعض الأهالي وسكنوا بها فترة وبعضهم لا يزال حتى الآن! كما احتلتها الورش فوضعت أمامها سياراتها ومعداتها، ليضيع الماضي بجماله، فعند دخولك هذه المباني تستشعر القلق والخوف من جراء الخراب الذي طغى عليه.

 

«درب الجماميز»  يقع على بعد خطوات  من ميدان السيدة زينب؛ حيث حارة صغيرة في بدايتها مقهى ومخبز، لتصعد الحي الضيق الذي يمتد تاريخه قرابة 350 عاما، وأول ما تجده أمامك من آثار مهدرة:

 

 

«كُتّاب يوسف الكردي»و«مسجدة»

وتجد المسجد الذي بناه الشيخ يوسف الكردي بمئذنته العالية، وإلى جهة اليمين يعلوه كُتّاب للتعليم، وإلى جهة اليسار تكية لإطعام الفقراء، وقد بدا على المسجد آثار الخراب والهدم ودار عليه الزمن، ووضعت عليه لافتة من قبل وزارة الثقافة والمجلس الأعلى للآثار؛ تُشير إلى عملية ترميم كان من المقرر أن تُجرى له بواسطة شركة مقاولات لكن ذلك لم يحدث، حيث المسجد ومشتملاته مغلقة وعملية الترميم متوقفة، رغم أنه مُسجل كأثر برقم 213.

 

 

 

«مسجد ومأذنة منفصلين»

مسجد قديم يعود لأحد أمراء المماليك يُدعى قرفجا وهو من مماليك السلطان برقوق، تربى بالقلعة وتقلد منصب أمير ثم ترقى إلى وظيفة رأس نوبة، وهي من الوظائف العسكرية، صاحبها مُكلف بالفصل في خلافات أمراء المماليك، وقد حمل رقم كودى 010060913، وهو ما يعني تكويده من قبل المجلس الأعلى للآثار، لكن تعرض للهدم والإهمال؛ رغم أنه من طراز معماري فريد من نوعه؛ حيث تنفصل المأذنة في بناية وحدها عن المسجد، فقط يربطهما ممر خشبي كان يستخدمه المؤذن للمرور من المسجد إلى المئذنة لرفع الأذان، وهو أيضاً مغلقاً وتشققت جدرانه وطفت به المياه الجوفية ومُعرض للانهيار – حسب رواية أهالي المنطقة.

 

«بيت وحارة  الشيخ السادات»

خلف مسجد بلا مئذنة تجد حارة ضيقة تحمل اسم «حارة السادات» لتقودك إلى بيت السادات أحد كبار علماء الدين إبان الحملة الفرنسية، وقد لعب دوراً بارزاً في المقاومة الشعبية ضد الحملة خلال ثورتي القاهرة الأولى والثانية، وكان ينفق عليهما من ماله الخاص، وتعرض للسجن والتعذيب خلال فترة نابليون وكليبر، حتى أُفرج عنه بعد رحيل الحملة، ليصبح من المقربين لمحمد على باشا ويختاره نقيباً للأشراف خلفاً للشيخ عمر مكرم بعد نفيه إلى دمياط، وظل كذلك الشيخ السادات حتى توفي تاركاً خلفه أموال كثيرة ليصادر بعضها محمد على لصالح الدولة.

وكان يستخدم منزله العريق المتسع لتدارس فنون واستراتيجيات الحرب، والاجتماع مع رموز المقاومة ومشايخ الحرفيين وعلماء الدين، ويشبه في تصميمه الحصن أو القلعة، حيث له مدخل طويل ومتسع يقودك لباب البيت الذي يفتح على ساحة واسعة خصصت للاجتماعات تطل عليها شرفات من جميع الجوانب من الأخشاب العتيقة، وبأرضية البيت آبار ومخازن مياه جوفية لازالت تعمل حتى الآن وموجودة بها المياه، ولايزال البيت محتفظ بأركانه وجدرانه رغم ما مر عليه من سنوات، وعُين له حارساً من وزارة الآثار بعدما سكنه الأهالي لمدة 20 سنة حتى تم طردهم في بداية الألفية الجديدة – بحسب رواية أحد أصحاب الورش المجاورين للبيت وكان ساكناً مع أسرته فيه.

 

 

 

«وقف معمارى  فاضل باشا»

ويُعتبر الأثر الوحيد الذي لاتزال حالته جيدة حيث تقام الصلوات بالمسجد حتى الآن، وقد خصص للزكاة والأعمال الخيرية، وبناه الأمير بشتاك، ثم رممه الأمير فاضل باشا، لذا اتخذ اسمه فيما بعد، أما التكية والسبيل يعودان للعصر العثماني، وتم إنشائهم لاستضافة المنقطعين للعبادة والتصوف وعابري السبيل، وحاليًا مغلقان ويعانيان الإهمال، وشاهدنا بالدور العلوي للمسجد ملابس مُعلقة على الحبال بالشرفات ما يشير الى وجود أحد الأسر تستغل المسجد وتسكن الدور العلوي به.

 

«بيت ومدرسة الفن الجميلة»

في 12 مايو 1908 افتتح الأمير يوسف كمال، أغنى أغنياء مصر، أحد أبناء الأسرة المالكة في مصر، حفيد محمد علي باشا «المدرسة العليا للفنون الجميلة»، واشتهر بحبه للفنون الجميلة، ولما طرح النحات الفرنسى «جيوم لابلان» فكرة إنشاء مدرسة للفنون الجميلة تحمس لها وظل هو ولابلان يخططان لإنجاز المشروع، حتى افتتحها بالفعل في درب الجماميز لتفتح أبوابها لأصحاب المواهب، ولم تشترط تقديم مصروفات ودون تقيد بسن، بل كانت تتولى توفير أدوات الرسم بلا مقابل، وكان النحات المصري الرائد باعث فن النحت المصري محمود مختار في طليعة المتقدمين ومعه كوكبة من رواد الفن التشكيلي منهم يوسف كمال وراغب عياد ومحمد حسن.

وفي يونيو ١٩١٠ صارت إدارتها تحت إشراف الجامعة المصرية الأهلية وفي أكتوبر ١٩١٠، ألحقت بإدارة التعليم الفني بوزارة المعارف، ثم نقلت في ١٩٢٣ من درب الجماميز إلى الدرب الجديد بميدان السيدة زينب حتى عام ١٩٢٧.

لكن لم يعد للمدرسة وجود في حي «درب الجماميز» ولا يتذكر الأهالي عنها شيئاً، على عكس ما حفظها التاريخ كأول مدرسة للفنون الجميلة ومن الرواد في العالم كله.

 

 

دار الكتب بدرب الجماميز  «الكتبخانة» أقدم مكتبة بالوطن العربى .

ومن بين الآثار التي لم تعد موجودة في المنطقة أيضاً رغم أن منشأها كان في «درب الجماميز» كانت هيئة دار الكتب والوثائق القومية، والتي عرفت باسم «دار الكتب المصرية»، وهي أول مكتبة ضخمة في القاهرة، أنشأها الخديو إسماعيل بناءاً على اقتراح من علي مبارك وزير المعارف سنة 1870، وجمع فيها كتبا ومخطوطات من كل نواحي مصر.

وبدأت «الكتبخانة» من سراي مصطفى فاضل في درب الجماميز، لكنها وبعد 34 عاما انتقلت لمبنى جديد في منطقة باب الخلق قبل أن يتم نقلها من جديد على النيل بمنطقة بولاق.

وتعتبر«الكتبخانة» أقدم مكتبة عامة في الوطن العربي على غرار المكتبة الوطنية الفرنسية بشارع ريشليو بباريس، وكانت تضم قاعة واسعة للمحاضرات العامة المفتوحة للجماهير والأدباء والعلماء، يلقون فيها محاضراتهم، وكان العلماء الأجانب يحاضرون في العلوم والجغرافيا والفلك مع ترجمة مباشرة.

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق